حمدوك.. قائد السلام في زمن الأزمات


منذ تسلمه رئاسة الوزراء، حمل د. عبد الله حمدوك رؤية واضحة لمستقبل السودان، قائمة على السلام والاستقرار والتنمية. في بلد أنهكته الحروب والصراعات لعقود، كان يدرك أن تحقيق السلام ليس مجرد شعار، بل عملية معقدة تتطلب شجاعة سياسية، حوارًا جادًا، وتنازلات متبادلة. ومن هذا المنطلق، جعل ملف السلام على رأس أولوياته، مؤمنًا بأن لا نهضة اقتصادية أو استقرار سياسي دون إنهاء النزاعات التي ظلت تعيق تقدم البلاد.

بمجرد توليه المنصب، بدأ حمدوك سلسلة من المشاورات مع الحركات المسلحة، واضعًا هدفًا أساسيًا يتمثل في إنهاء النزاعات وإدماج الجميع في العملية السياسية. وكانت اتفاقية جوبا للسلام في 2020 أبرز إنجازاته في هذا الصدد، حيث نجح في إقناع العديد من الحركات المسلحة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حلول سلمية. هذه الاتفاقية لم تكن مجرد ورقة سياسية، بل مثلت بارقة أمل للنازحين واللاجئين الذين عانوا من ويلات الحرب لسنوات طويلة.

آمن حمدوك بأن الحلول العسكرية لم تقدم للسودان سوى المزيد من الأزمات، ولذلك اختار طريق الحوار والتوافق الوطني. لم يقتصر سعيه على الاتفاق مع الحركات المسلحة فقط، بل عمل على بناء جسور الثقة بين مختلف المكونات السياسية، إيمانًا منه بأن السودان الجديد لا يمكن أن يُبنى بالإقصاء. دعم مبادرات المصالحة الوطنية، وسعى لتوحيد قوى الثورة والانتقال الديمقراطي، رغم العقبات التي واجهته من جهات لم تكن ترغب في نجاح مشروعه الإصلاحي.

لم تكن رحلة السلام سهلة، فقد واجه حمدوك مقاومة من قوى رافضة للتغيير، بعضها يرى في السلام تهديدًا لمصالحه، والبعض الآخر يعتقد أنه يجب أن يكون وفق شروطه الخاصة. ورغم ذلك، استمر في جهوده، مدعومًا بتأييد شعبي واسع، خاصة من الشباب الذين رأوا فيه نموذجًا مختلفًا للقيادة، بعيدًا عن لغة العسكر والانقلابات.

كما أن التحديات الاقتصادية التي واجهها السودان بعد سقوط النظام السابق كانت عاملاً معقدًا في عملية السلام، حيث أن تحقيق استقرار دائم يتطلب موارد اقتصادية لدعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في المناطق المتأثرة بالحرب. ومع ذلك، لم يتوقف حمدوك عن العمل على إيجاد حلول، مستفيدًا من الدعم الدولي والإقليمي لإعادة دمج السودان في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة.


رغم التغيرات السياسية التي أطاحت بحكومته، سيظل حمدوك رمزًا للقيادة المدنية التي آمنت بأن السلام هو الأساس لبناء دولة حديثة. جهوده ستظل جزءًا من مسار السودان نحو الاستقرار، حيث أسس لفكرة أن الحلول السياسية يجب أن تكون عبر التفاوض وليس عبر القوة. ورغم كل الصعوبات، فإن إرثه سيبقى حاضرًا في أي خطوة تُتخذ نحو سودان جديد يقوم على العدل والمساواة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Initiative by Forward Defense Committee to Dismiss Allegations Against Hamdok and Others

A Concerning Message: The International Muslim Brotherhood’s Eid al-Adha Address

Abdalla Hamdok: A Visionary Leader for Peace in Sudan