القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان.. خطر يهدد السيادة والأمن الإقليمي
في ظل الأوضاع المضطربة التي يمر بها السودان، يبرز التواجد العسكري الروسي في بورتسودان كعامل يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في البلاد. فمنح روسيا قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر ليس مجرد اتفاقية تعاون عسكري، بل خطوة تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على سيادة السودان واستقراره. هذه القاعدة ليست مجرد منشأة عسكرية، بل بوابة لتغلغل النفوذ الروسي في المنطقة، ما قد يحوّل السودان إلى ساحة لصراع القوى الكبرى، بدلًا من أن يكون دولة مستقلة تقرر مصيرها بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.
إن السماح لروسيا بإقامة قاعدة بحرية في بورتسودان هو تفريط واضح في سيادة البلاد. فمنح قوة عظمى مثل روسيا موطئ قدم دائم على ساحل البحر الأحمر يعني أن السودان لم يعد يتحكم بشكل كامل في أراضيه، بل أصبح جزءًا من أجندة موسكو التوسعية. التاريخ يشهد بأن أي وجود عسكري أجنبي لا يكون في مصلحة الدولة المضيفة، بل يكون بوابة لاستغلال مواردها وزجها في صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. فهل سيظل السودان دولة ذات سيادة، أم أنه في طريقه ليصبح تابعًا للقوى الكبرى التي لا ترى فيه سوى ورقة في لعبة المصالح الدولية؟
البحر الأحمر ممر استراتيجي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية، وأي توتر في هذه المنطقة قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية وأمنية واسعة النطاق. وجود قاعدة روسية في بورتسودان لا يعني فقط تعزيز النفوذ العسكري لموسكو، بل يشكل مصدر قلق لدول كبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التوسع. هذا قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة، وربما إلى مواجهات مباشرة بين القوى الكبرى، والسودان هو الذي سيدفع الثمن الأكبر في هذه اللعبة الخطيرة.
إنشاء قاعدة روسية في بورتسودان لن يجلب أي فائدة اقتصادية للسودان، بل على العكس، سيؤدي إلى نفور المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن بيئة مستقرة وآمنة لأعمالهم. علاوة على ذلك، فإن أي تصعيد عسكري في البحر الأحمر سيؤثر على حركة التجارة البحرية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن، وبالتالي زيادة الأسعار داخل السودان، الذي يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة. هذا الاتفاق قد يبدو وكأنه مجرد تعاون عسكري، لكنه في الواقع قد يكون بداية لعزلة اقتصادية جديدة تعمّق معاناة الشعب السوداني.
التاريخ يثبت أن القواعد العسكرية الأجنبية دائمًا ما تكون مقدمة لتدخلات خارجية واسعة. السودان اليوم يواجه خطر أن يصبح ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الكبرى، حيث ستسعى دول أخرى إلى تعزيز وجودها العسكري لموازنة النفوذ الروسي، مما قد يحوّل البحر الأحمر إلى منطقة مشتعلة بالنزاعات. في ظل هذه الظروف، فإن السودان ليس بحاجة إلى مزيد من التدخلات الأجنبية، بل يحتاج إلى استعادة سيادته وبناء جيش وطني قوي يحمي مصالحه دون الحاجة إلى الاستقواء بقوى خارجية.
القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان ليست خطوة نحو التنمية أو الاستقرار، بل بوابة جديدة للفوضى والتدخلات الأجنبية. السودان بحاجة إلى بناء علاقاته الدولية وفقًا لمصالحه الوطنية، وليس وفقًا لأجندات القوى العظمى التي لا تهتم إلا بمصالحها. إذا استمر هذا النهج، فقد يجد السودان نفسه مجرد بيادق في لعبة الكبار، يفقد قراره وسيادته مقابل وعود زائفة لا تجلب إلا الدمار والانقسام.
تعليقات
إرسال تعليق