الجيش السوداني يتخلى عن الحركات المسلحة.. مناورة تكتيكية أم توجه استراتيجي؟
في خطوة تعكس تحولات داخلية كبرى في المشهد العسكري السوداني، ترأس الفريق محمد عثمان الحسين اجتماعاً لهيئة الأركان، حيث ناقش الاجتماع تحفظ الجيش على استمرار تسليح الحركات المسلحة، وتم الاتفاق على وقف أي عمليات تجنيد خارج المؤسسة العسكرية، وذلك لتجنب تضخم قوة هذه الحركات ومنع تحولها إلى قوات موازية للجيش في المستقبل.
شهدت الحرب الحالية تحالف الجيش السوداني مع عدد من الحركات المسلحة، مستغلاً قدراتها العسكرية في الصراع، لكن يبدو أن الجيش بات يرى هذه الحركات عبئاً أكثر من كونها شريكاً مفيداً. فبعد استهلاك قوتها في المعارك، يتجه الجيش اليوم للتخلي عنها، في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول مصير هذه الفصائل ودورها المستقبلي في المشهد السوداني.
بحسب مصادر مطلعة، فإن قرار هيئة الأركان لا يعكس فقط موقف الجيش، بل يأتي استجابة لضغوط الحركة الإسلامية، التي تسعى لإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري بما يضمن سيطرتها الكاملة على السلطة. وترى الحركة الإسلامية في الحركات المسلحة تهديداً محتملاً لنفوذها، مما دفعها إلى الدفع باتجاه التخلي عنها، وإعادة هيكلة التحالفات العسكرية بما يخدم مصالحها الخاصة.
التعامل مع الحركات المسلحة كان منذ البداية محكوماً بمبدأ المنفعة المتبادلة، لكن الجيش لم ينظر إليها أبداً ككيانات ذات مبادئ واضحة أو ولاء ثابت. بل اعتبرها مجرد أدوات يمكن استخدامها وفق الحاجة، وهو ما يفسر التخلي عنها فور انتهاء فائدتها العسكرية. كما أن النظرة السائدة داخل المؤسسة العسكرية تعتبر هذه الحركات مجرد مليشيات يمكن التأثير عليها بالمال، مما يجعلها غير جديرة بالثقة في نظر قيادة الجيش.
يظهر القرار الأخير أيضاً أن الجيش يتعامل مع الحركات المسلحة وفق اعتبارات قبلية، حيث تُصنَّف هذه الفصائل على أنها امتداد للمكونات القبلية في دارفور، وهو ما دفع الجيش إلى تهميشها وعدم منحها أي أدوار قيادية حقيقية داخل المؤسسة العسكرية. ويعكس ذلك أيضاً رؤية الجيش التي تعتبر هذه الحركات غير سودانية بالكامل، وهو تصور ظل يؤثر على طريقة التعامل معها منذ بداية الحرب.
يرى مراقبون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تصعيد التوتر داخل معسكر الجيش، حيث قد تجد الحركات المسلحة نفسها مضطرة لإعادة النظر في تحالفاتها، وربما البحث عن خيارات جديدة تعيد لها دورها في المشهد العسكري والسياسي السوداني. وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي تخلي الجيش عن الحركات المسلحة إلى استقرار أكبر، أم أنه سيخلق مزيداً من الانقسامات والتعقيدات في المشهد السوداني؟
تعليقات
إرسال تعليق