شمال السودان في العتمة .. عندما تتحول المعارك العسكرية إلى حرب ضد المواطن
في مشهد يعكس قسوة الحرب وتخبط القرار العسكري، استيقظت ولايات شمال السودان على ظلام دامس وانقطاع كامل لمياه الشرب، بعد استهداف محطة مروي التحويلية المغذية للكهرباء في المنطقة. هذا الهجوم، الذي نُفذ ضمن ما تسميه القيادة العسكرية بـ"تحركات عسكرية ضرورية"، لم يصب هدفاً عسكرياً صرفاً، بل أصاب شريان حياة مئات الآلاف من المواطنين.
مدن تاريخية مثل عطبرة وشندي، وقرى ضاربة الجذور كالمحمية والبجراوية، وجدت نفسها فجأة بدون كهرباء أو ماء. المرافق الحيوية توقفت، المستشفيات تئن تحت وطأة العجز، والمزارعون ينظرون بقلق لمحاصيلهم المهددة. أما المواطن العادي، فهو يعيش يومه بين شح الموارد وتراكم المعاناة، بلا ذنب سوى أنه وجد نفسه وسط حرب لا يعرف من بدأها ولا إلى أين تتجه.
التحركات العسكرية الأخيرة كشفت عن واقع مؤلم: البنية التحتية في السودان، الهشة أصلاً، أصبحت هدفاً مباشراً في صراع يدفع ثمنه الأبرياء. لا أحد يتحدث عن تعويض، ولا خطط واضحة للإصلاح، وكل ما يُقدَّم للناس هو الصمت والتجاهل والتبرير.
ما حدث في مروي ليس مجرد "ضرر جانبي"، بل هو مؤشر خطير على أن الحرب خرجت عن إطارها العسكري، وبدأت تضرب مفاصل الحياة المدنية. التذمر الواسع وسط المواطنين ليس فقط بسبب غياب الخدمات، بل بسبب شعور متزايد بأن الدولة - بمؤسساتها المختلفة - فقدت البوصلة، وأصبح المواطن آخر أولوياتها.
في الوقت الذي ينتظر فيه الشارع السوداني حلولاً توقف نزيف الحرب، تأتي مثل هذه الضربات لتغرس خناجر جديدة في خاصرة الوطن. لم تعد المعارك تدور في الأطراف البعيدة فقط، بل وصلت إلى قلب البيوت، وأطفأت الأنوار، وأغلقت الصنابير، وخلّفت شعباً منهكاً يتساءل: إلى متى سندفع نحن ثمن هذه الفوضى؟
تعليقات
إرسال تعليق